الأحد، 7 أبريل 2013

عبقرية الحضارة الإسلامية



عبقرية الحضارة الإسلامية

قال تعالي:كنتم خير أمة أخرجت للناس. وقوله سبحانه حق. إلا أنه في الآونة الأخيرة أخذ الإعلام الغربي يكيل إفكا للإسلام والمسلمين ويصفهم بأنهم يعانون من عقدة الصراع بين الحضارات . وهذا القول المعلن لا يتصف بالمصداقية أو حسن النوايا. وبعيدا عن الأسباب والمسببات الإستعمارية التي آل إليها العالم الإسلامي المعاصر نجد أن هذا العالم المترامي فوق خريطة الدنيا قد حقق المعجزة الحضارية المتفردة في تاريخ العالم القديم . عندا بزغت هذه الحضارة وسط دياجير الظلام الفكري والعقائدي الذي كان يسود العالم القديم عندما أتي الرسول برسالته السماوية التي حررت البشر من الظلم والقهر والعبودية وحققت العدل والمساواة والحرية . وجعل للإنسان حقوقه المكفولة تحت ظلال الإسلام لأول مرة في التاريخ الإنساني كله.لهذا حقق المسلمون حضارتهم التي أصبحت ثبتا مثبتا في سفر الحضارة الإنسانية .فخمسة قرون من عمر الزمن زهت فيها هذه الحضارة كان المسلمون خلالها القوة الأعظم في العالم القديم بلا منازع. بينما كانت شعوبه قبائل شتي تتسم بالعبودية والقهر والظلم بل والجهل أيضا. . وكان قد عرض كاتبنا المرموق عبد اللطيف فايد كنابا لي بعنوان (صناع الحضارة العلمية في الإسلام) في صفحة كاملة بملحق (الجمهورية) الإسبوعي . وكان هذا العرض التحليلي ردا غير مباشر علي الزخم الإعلامي ضد الإسلام وحضارته وتنويرا لأجيالنا بعظمة هذا الدين وإنجازات علمائه الضخمة في شتي العلوم التجريبية والإنسانية .فأصٌل في عرضه الحضارة الإسلامية وجردها من الزيغ والتضليل الإعلامي المغرض. فكان عرضه أمينا ومنـزها بل ومنصفا لها. فالحضارة الإسلامية كان علماؤها يتمتعون بالحرية الفكرية التي أثرَت وأثٌرت في الفكر الإنساني كله بعد ثمانية قرون من أفول الحضارة الإغريقية آخر الحضارات التقليدية القديمة .فلقد ظهر تحت ظلال حضارتنا الإسلامية عباقرة الفكر الإسلامي الثقاة كابن خلدون والبيروني والأدريسي والقزويني وابن ماجد والبتاني والطوسي والخوارزمي وابن الخيام والرازي والدميري والمقدسي وابن ماجه وابن النفيس والفارابي والكندي وابن سينا وابن طفيل وابن العوام وغيرهم من العلماء الذين أصبحوا نجوما زاهرة وزاخرة في سماء المعرفة الإنسانية إبان عصرهم والعصور التي لحقت بهم . وهذه حقيقة لا ننكرها بل يقرها كل مؤرخي العلم ومن بينهم سارتون . فوضعوهم في مصاف كبار الفلاسفة والعلماء الذين حققوا الإنجازات الضخمة في تاريخ مسيرة العلم والحضارات . وإبان مطلع عصر النهضة كان علماء وفلاسفة الغرب ينظرون لهؤلاء نظرة الإجلال بل والتقديس. لأنهم أثروا علي الفكر الغربي وغيروا من نظرتهم للفكر الإغريقي الذي تواري خلف الفكر الإسلامي . لهذا ظلت كتبهم تترجم و تدرس بالعربية زهاء أربعة قرون . وكان كتاب (القانون )في الطب لابن سينا إنجيلا يدرس في الغرب بالعربية و لاسيما بكليات فرنسا ولاسيما في جامعة (مونبلييه) العريقة . وكانت نظريات ابن رشد قد غيرت الفكر والفلسفة المسيحية واليهودية بأوروبا مما جعل مارتن لوثر يعلن تمرده علي البابوية معلنا البروتستانتية بعدما أسقط مقولة صكوك الغفران . وقد إستقي أفكارها من فلسفة ابن رشد التي شاعت بين الأوساط والجمعيات الفلسفية الأوربية وقتها. من هنا كان ظهور حركة الإستشراق الذي تبنته الكنيسة الغربية لتشويه صورة الإسلام وبث المطاعن فيه وكتابة المثالب الإفكية حول رسوله. فالصليبيون لما جاءوا للمشرق العربي وشاهدوا حضارته أصيبوا بالدونية الحضارية . ونقلوا هذه الحضارة لبلدانهم . فأنبهر الغرب بها وحاكاها ونقل تراثها العلمي والفكري. وعكف علماؤه و مفكروه وفلاسفته علي تمحيصه وتحقيقه .فظهرت أعمالهم كصدي فكري لعلوم المسلمين بعدما حررهم الفكر الإسلامي من هيمنة الكنيسة والكهنوت الكنسي وإرهاصاته كما حررهم من أساطير الإغريق.


بناة الحضارة الإسلامية

بينما كان العالم الإسلامي يموج حضارة وتمدن خلال عصور الخلائف الراشدية والأموية والعباسية والعثمانية كانت أوروبا تعيش في أتون الجهل والهمجية والبربرية والرق والعبودية . وهذه حقيقة لاننكرها بل نقرها ولا نتغافلها وسط إرهاصات الغرب المفتئت والمفتري عليها . فعلماء المسلمين في كل مشاربهم إبان عصور حضارتنا الإسلامية التي غبرت وغربت عنا . لم يخلفوا لنا سوي أمجادهم وكتبهم وتراثهم الذي نهلت منه كل الروافد المعرفية العالمية . لأنه كان ثبتا لايماري فيه . لأنه اتسم بالمصداقية البحثية مما جعلهم مشاعل التنوير ودعاة الإستنارة ومجددين ومبدعين للعلم . فبنوا حضارة الحضارات وظلت تتري للإنسانية بتوابعها عبر القرون الوسطي حيث كانت الهمجية تسود أوروبا . ومن أعمال عباقرة هذه الحضارة الإسلامية نجد الجاحظ وقد ظهر كعالم للحيوان عندما حدثنا لأول مرة عن هحرات الطيور في رحلتي الصيف والشتاء . ولم يكتشف العلماء هذا إلا القرن 19 .ويعتبر الجاحظ مؤسسا لعلم الجغرافيا البشرية و علم الأجناس حيث قسم البشر وصنفهم لأمم وشعوب وأجناس وأعراق مختلفة وأوعز ألوانهم ولغاتهم وطبائعهم إلي تأثير العوامل الوراثية والبيئة الطبيعية والاجتماعية . وفي الفلك نجد أن البيروني قاس محيط الأرض بواسطة معادلة رياضية وضعها وأكد علي كروية الأرض وبين أن الأجسام تنجذب نحو مركزها. وبين أن توالي الليل والنهار سببه دوران الأرض وليس الشمس أو النجوم والكواكب معها . وبين بدقة إختلافات المواقيت والغروب والشروق حسب مواقع البلدان فوق خريطة الدنيا وبهذا نجده قد سبق كوبرنيق ونيوتن وجالليو .وبين البيروني أن الإنسان أصله قرد وتناول نظرية التطور كما قاله دارون فيما بعد . (حذار من هذا النص، بجب أن يعاد فيه النظر، البيروني يقول هذا الكلام الغريب، إنه لأمر عجيب إن صح. والراجح أنه غير صحيح..إنه دس السم في العسل) وفي الرياضيات نجد الخوارزمي التي مازالت شهرته حتي الآن ولاسيما كمؤسس لعلوم الجبر ولاسيما وهو واضع حساب اللوغريتمات التي يقوم عليها علي الرياضيات الحديثة . وكان أول من إكتشف الصفر ووضعه ضمن الأعداد وفي الحساب .كما جعل الحساب ميسرا بأن جعله طرحا وجمعا وقسمة وضربا . فبهذا علم الناس الطرق الحسابية المبسطة .وهذا ماكتب للخوارزمي الخلود . ويعتبر عمر الخيام عالما في الفلك والرياضيات ويعتبر ثاني إثنين بعد الخوارزمي في علم الجبر فأسس علم الترجمة الرياضية المزدوجة .حيث ترجم مسائل الهندسة للغة الجير وترجم مسائل الجبر للغة الهندسة كما ترجم مسائل من الهندسة الفراغية للغة الجبر . وهي المسائل التي لايمكن رسمها بالمسطرة والفرجار كمسألة تثبيث الزوايا ومسألة الوسطين الجسابين ومسألة المسبع المنتظم .وقد إبتكر حل المعادلات من الدرجة الثانية عن طريق الأقواس المخروطية . وفي الطب نجد أن ابن النفيس قد إكتشف الدورة الدموية قبل هارفي بعدة قرون وابن زهر بالأندلس كان يمارس الجراحة والتخدير . وكان الكندي أبا الحضارة الإسلامية وفيلسوفها الأول .والدميري أول من وضع معجما للحيوانات وصنفها فيه من حيث الشكل والطباع ومرادفات أسمائها والطوسي الفلكي الشهير وابن سينا والرازي وابن رشد . وغيرهم من أساطين العلوم الإسلامية . فخلدت أعمالهم وتصدرت أبحائهم سجل التاريخ المعرفي والعلمي والحضاري للإنسانية بلا منازع . مما أكسبهم تقدير العلماء الذين خلفوهم . فصانوا لهم تراثهم من بعدهم ووعوه في عقولهم وأشادوا به وبهم وظلوا قرونا له حافظين .

بقلم"محمد أحمد عوف"